top of page

 

تونس

 

الحبيب بورقيبة

 

يدور اليوم نقاش حول بورقيبة ومآل إرثه بعد الثورة. وبكل أسف كما هو حال أغلب النقاشات في تونس تهيمن حول هذا الجدال أيضا العواطف والغرائز والجهل في بعض الأحيان. ولفهم موقع البورقيبية بعد الثورة يجب وضعها في إطار مسار الكفاح التونسي من أجل الحرية خلال المائة سنة الماضية. فخلال أكثر من قرن مضى كان التونسيون يكافحون من أجل حريات أساسية ثلاث: الحرية الوطنية من الاستعمار أولا، الحرية الاجتماعية من خلال التعليم، وإخراج الفرد من سيطرة القبيلة وتحرير المرأة والتنظيم النقابي (إلخ) ثانيا، والحرية السياسية، ثالثا. منذ خير الدين باشا وإلى اليوم كافح التونسيون من أجل هذه الحريات وفي كل فترة كان يهيمن التركيز على حرية دون أخرى وفق الظروف.إن مزية الحبيب بورقيبة أنه قاد الكفاح وحقق جزء كبيرا من النصر في الحصول على حريتين من الحريات الثلاث. فهو الذي قاد نخبة هائلة من الوطنيين المتميزين لتحقيق الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. وهو الذي أطلق عملية جريئة للتحرير الاجتماعي لم يشهد العالم العربي الاسلامي مثيلا لها (التعليم والمرأة). وطبعا لم يكن كفاحه هذا دون أخطاء. ولكننا نتكلم هنا عن بورقيبة لا عن الله سبحانه وتعالى.تبقى الحرية الثالثة أي الحرية السياسية وهذه أهملها بورقيبة بل حاول إلغائها لأنه كان يتصور أنها غير ممكنة قبل التحرير الاجتماعي. وأن شعبا ينهشه الفقر والقمل والبراغيث والجهل وقتها لا يستطيع أن يخوض مرحلة البناء الديمقراطي لأنه غير مستعد بعد لذلك. وأدى ذلك غلى اهتراء نظامه وإلى الانقلاب عليه ...  هل أخطأ بورقيبة أم أصاب؟ هذا موضوع آخر. أنا وجيلي وأجيال قبلي كنا نعتقد أنه مخطئ لذلك ناضلنا ضد سياسته في جانبها الاستبدادي  و لا يزايد علينا اليوم في ذلك ابن الصدفة أو أخ البهتة ... لقد فتحت ثورة 17 ديسمبر ومحطتها 14 جانفي آفاقا واسعة جدا لتحقيق تقدم على مستوى الحرية الثالثة الضائعة أي الحرية السياسية: الديمقراطية. ولكننا مازلنا لم نحقق هذه الحرية بشكل دائم لا رجعة فيه ولم نمأسسها بعد ويستطيع ما حصلناه أن يضيع منا. لذلك ما تبقى في أيدينا من مكتسبات في نضال الشعب التونسي من أجل الحرية هي الحرية من المستعمر المباشر، وهذا كان بقيادة بورقيبة، ومكتسبات هامة جدا وإن كانت تحتاج التدعيم في التحرير الاجتماعي وهذا قاده بورقيبة أيضا. أما منتقدوه وأنا منهم فما زلنا لم نحقق شيئا في مجال الحرية الثالثة التي حرمنا منها منذ قرون بايات تونس والمستعمرون الفرنسيون وبورقيبة وبن علي.لذلك أدعو للتواضع والعدل في الحديث عن رجل عظيم، لا يصل كعبه اي من السياسيين الحاليين التونسيين بدون استثناء، له فضل حاسم في حصولنا على نصيب هام من حرياتنا الثلاثة بينما نحن الذين ننتقده لم نحقق شيئا بعد.ومن لم يفهم هذه المسألة...."ليّ وليه ربيّ"..

تونس دولة تونسية .. لغتها التونسي   و علمها تونسي ونشيدها تونسي و غرامها تونسي  .. حلالها وحرامها تونسي  .. مشمومها تونسي و مشومها تونسي .. و فنها تونسي وعفنها تونسي وكفنها تونسي .. إلي يتولد فيها تونسي ولي يتدفن فيها

وسلاطتها تونسية .. و حلوتها فليّو وكارها ديمة روتار و سراقها كثار و عملوا العار .. تونسي ديمة صار ما صار .. وجاري الذي ينسنس عليّ .. و زميلي الّي عالغلطة يستنّى فيّ .. و جزّار الحومة الّي  يغشّ فيّ .. و عرفي الّي ديما يخرنن عليّ ..  و قدّ ما تعمل فيّ تونس نحبّها هي هي

واللبن إلي شطرو ماء تونسي  .. والبقلاوة بالكاكوية تونسية .. وميات غرام قلوب فوقها شنغوما كلوروفيل .. وفي البلفيدير تحجير الفيل .. والشرش شلوق براني في النشرة الجوية  .. والحضرة  والمزاودية .. والعودة المدرسية .. آه .. وريحة الملوخية والطابونة واللبلابي 

وحماة الحمى معششة فيك وفيا .. في الغربة من المطار تبدى ساقي تاكل فيا .. مكفن المارس لاجار لا في الديوانة يفيقوا بيا .. بعد ما عالفيزا عملوا فيا .. ينحيولنا كل شي .. وكل شي يتبدل وتقعد الجنسية  .. تونسية

ولميمة بعد طريحة نباش القبور تغلفك بالفيكس والزهر تونسية .. و مهبة العيد والتصاور والبامبلوني .. ومماتي ما أحلى ريحتها معترقة بلكولونيا تونسية .. والقلة في الطهورات .. والقلة في اللمة وفي الزنازات .. واللمة في المنامات .. والعروي والحكايات .. ولبخورات وركيض الغشاشر في الفروحات .. و"يزي عيب عواشر " .. وربي في دعاء الخير حاضر .. ويكب سعدك بعدها يعيش ولدي .. الحايك والفوطة والسفساري .. تريكو فضيلة وترتيل الأنداري .. تونسي أنا متع راي أونو و فرانس دو والخطاب في الوطنية .. تونسي أنا متع الرشة زهر ونسري في القهيوة العربي تونسية 

البريكة تونسيّة .. و البرّاق يرتّل في القرآن قبل شقّان الفطر تونسي .. و قصع الكسكسي في سيدي محرز تونسيّة .. و الغلفة بالفليّو و " الطبيب آش يفهم منّه" تونسيّة .. و"ديقاج" تونسيّة .. و الغنا الملتزم في الجامعة تونسي .. والوصيف بيّاع التكوة في بياصة باب سويقة تونسي .. و عشويّات الصفصاف تونسيّة .. و الخسارة في الكورة تونسيّة .. و الفطاير تونسيّة .. و الجبّة تونسيّة .. و الشاشيّة تونسيّة .. و قفص الكانالو تونسي 

و بوك كي يضربك و من بعد يقلّك إيجا تعشّى .. و الضحك الّي يشدّك كي واحد يطيح قدّامك .. و الفوسكة تونسيّة .. و الدوران في الحياصة تونسي .. و صبّان الماء في النهج باش العزيز يرجع تونسي .. و طاجين الملسوقة بونارين تونسي .. و المشلوش في ليالي الشتاء الباردة تونسي .. و ربع الكابوسان الّي نتقاسموه تونسي .. و جمع سيدي بلحسن تونسيّة .. و القصّان على البرامج التلفزيّة كي يقولو لك " نكتفي بهذا القدر" تونسي .. و قصّان الضو على غفلة تونسي .. و قشور الدلاع في البحر تونسيّة .. و الغشّ تونسي و الغشّة تونسيّة .. و الدمعة السخونة لأقلّ حاجة زادة تونسيّة  .. تونس في قلبي و في عينيّ

...تونس ياسمينة بلديّة و قناويّة مرساويّة و وشمة بربريّة لاهي أروبية و لاهي أفغانية

 

 

 

 

 

تونس .. توالف.. تستانس .. وتنسى ناسك .. ومكتوب ع الحيوط .. دبر راسك

 

 أَنَا يَا تُوْنُسَ الجَمِيلَة َ فِي لُجِّ الهَوى

 قَدْ سَبَحْتُ أَيَّ سِبَاحَهْ

 .. شرْعَتي حُبُّكِ العَمِيقُ

وإنِّي قَدْ تَذَوَّقْتُ مُرَّهُ وَقَرَاحَهْ

 

بلقاسم الشابي

 

في نهار كيما اليوم .. ما انجمو نقولو كان .. تحيا تونس .. تحت أي ظرف .. وبأي مسمى .. تحيا تونس على خاطرها التراب السخون .. تحيا تونس بسماها الغضبانة و عينيها الحبارة .. تحيا تونس

بالشلاغم و اللحية محجمة .. تونس الحوم الشعبيّة .. و شقانس البرجوازية .. تونس اللي عمرها لا لبست نقاب ..وعمرها ما باش تكون غير تونسية

تونس تع الناس بالناس و الناس بالله .. تونس متع ريحة الياسمينة تجيبها نسمة الليل ، تونس متع اللّمة في الحومة و الضحكة من القلب .. تونس تع سيغارو في زوز و امي اعملّي عجّة راني ما ناكلش الرّوز .. تونس متع الكسكسي بالعصبان و ليلة متعشّي و ليلة تبات جيعان .. اما ديما نضحكو و ما يبات حد غضبان .. تونس متاع القهوة العربي و السروال العربي و الشاشية الحمرا دم .. تونس ضحكة الصغير و تبسيمة الكبير .. تونس الصناديد و ضربان الفوشيك في رمضان و العيد .. تونس اللي سرقنا فيها البوصاع من دار الجار .. و شبعنا فيها لزّ و دزّ في الميترو و الكار .. تونس الشمس اللي تحرق و الخدّام اللي يعرق .. و اللي يركب البحر و يحرق .. يقمّر .. يوصل و الا يغرق .. تونس هي الفرحة اللي تلمّ و الكانون ببخورو بش يطيّر الهمّ و الغمّ ... تونس حكاية عشقة .. صحيح هي جنّة و العيشة فيها نار .. اما وكرك وكرك .. تدور وترجع .. لهالبلاد اللي فيها تولدنا .. و فيها تربينا و فيها نحبو نموتو..

. تحيا تونس قد ما تمرجنا، تمرمدنا .. للحوت توسقنا.. للسكات تدفنا ..

نحبّوها.. وبحتّى بلاد ما نبدلوها.. تونس حكاية كبيرة عليك و عليّا.. ممكن نتعذبوا .. خمسة سنين أخرين .. ممكن عشرة .. ممكن تطوال الربطيّة .. أما صدّقني.. بلاد الكرموس و الخرّوب .. بلاد الهندي و الرّمان الصندي .. بلاد البوسة الخال بلاد الألف لغة.. بلاد البوخة.. بلاد حماة الحمى.. يسخن فيها الدم .. يسيح .. يمشي خسارة اما عمرو ما يصير ماء..

..تحيا بلادي زوّاليّة .. بالبهامة مبليّة .. الله غالب هاذوما إمّاليّا

... عندنا برشة ناس خشان و عندنا.... آش علينا

... تحيا تونس .. الخشينة.. تونس الحنينة.. على قد ما ندزّوك ترجع لينا.

ولا عاش في تونس من خانها

 

محال ليوسف زيدان .. والسيرة الأخيرة

  •  

     

     

     

     

     

    انتهت رائعة العبقري يوسف زيدان الأخيرة (محال) بذكر غوانتنامو لا على سبيل تفصيل ما يجهله الكثيرون عن عدد الزنازين وطرق التعذيب وأساليب الإستجواب، ولم يكن يحاول إستكمال أو إضافة تفاصيل جديدة على ما يحدث في شرق المتوسط وما أستفاض المنيف في ذكره، ولكن كانت كلمة غوانتنامو الكلمة الرمز الأخيرة والوحيدة والفصل في حياة أبو بلال البسيط جزاء طيبته، وجزاء حسن النية أيها العربي. جاءت النهاية صادمة على الرغم من توقعها، ودعوة لشعوب العالم الجديد ببدء الجري بحثاً عن الحرية، واقتلاعها من صدور الأشرار، والخروج ليس من رمزية المعتقل فقط، ولكنها دعوة عامة للخروج من أي صندوق. حيّرنا يوسف زيدان في عنوان الرواية عندما كتب (محال) بدون تشكيل الحروف، فلو كانت الميم مضمومة لكانت إستحالة، ولو كانت مفتوحة لصارت جمع لما معناه الأمكنة، ولو كانت الميم مكسورة لأضحت مكيدة ومكر، لكنه تركنا في غمرتنا حيارى، كي يختبر قوّتنا على الخروج من الإشكال. من القفص. يطل علينا بطل الرواية كأي شاب عربي موزون تطربه الأغاني والقرآن على حد سواء، يعمل في مرافقة السائحين، يتنقل بهم بين حجارة المعابد القديمة، ويتماهى معهم في رائحة التاريخ، وبعد أن ينتهى من سرد التاريخ باللغات الأربع ينتقل من أسوان إلى أم درمان ليلتقي بأمه وأبيه وجيرانه وأسامة بن لادن، ولما جاءت حسناء خجول مع مجموعة من الطلاب من الإسكندرية، قرر الله أن يجعل من وجهها خلاصاً لقلبه، ويجعل من عقله ماءٍ يرق ويراق، وأن يسافر هذه المرة ـ على غير العادة ـ شمالاً، بإتجاه الجنة، جنته، وتكون الأيام طوالاً، ويكون بحر، ويكون عشق، ويكون ورد، ويكون مُلك ومليكة، ويكون حي كرموز، وتكون الشقة العلوية، ويكون السرير، فيقرر الله مرة أخرى أن تتدخل المخابرات لتغلق باب الجنة، وأن تختفي هيباتيا وتغرب في موج الإسكندرية، شط الهوى، فعليه أن يدرك في هذه اللحظة أنها لم تعد قريبة، وأن حبل الوصال مقطّع، وإن إستمراره بقلب من ريش سيرديه قتيلاً في الهوى. فعليه أن يدرك أنه ليس أمام العاشق إلا الهروب، من مشاع مصر إلى خليج فارس والعرب، النفط والطول، إلى أوزبكستان البيضاء الناعمة المختبئة في الثلج والليل والخمر والدين، إلى أفغانستان والجبل والكاميرا والإختباء والهروب والإعتراف، إلى غوانتناموا.

     

     

  •  

     

 

 

برودسكي .. والماسوشي الصغير

 

في 18 ديسمبر عام 1988، بعد خمسة وعشرين عاما من كتاباته التي وصفت "بالمناهضة للاتحاد السوفيتي " في وطنه الام روسيا، وبعد اشهر قليلة جدا من فوزه بجائزة نوبل في الأدب "لأن مؤلفاته كلها مشربة بوضوح الفكر و الكثافة الشعرية" صعد الشاعر الغزير والكاتب جوزيف برودسكي المنصة في آن أربور وخاطب حفل تخرج من جامعة ميشيغان بواحدة من أجمل الخطب التي لا يحدها عصر ولا ظرف ، وقدم ست قطع لا تقدر بثمن من الحكمة التي استقاها من خبرته الشخصيته ونظرته للحياة. نشرت الخطبة التي عدت استفزازية ومحرضة في حينها تحت عنوان "خطاب في الملعب"، ضمن انطولوجيا (الحزن والعقل) التي صدرت عام 1997

"مهما كان الثمن ، عليك أن تتجنب منح نفسك وضعية الضحية. من كل أجزاء الجسم، راقب سبابتك المتعطش لتوجيه اللوم دائما . هي شعار الضحية ومرادف للاستسلام - على عكس شارة النصر -و مهماكانت حالتك مثيرة للشفقة، لا تحاول إلقاء اللوم على أي شيء أو أي شخص: التاريخ، والدولة، والرؤساء، والعرق، والآباء، و مراحل القمر، والطفولة، وتدريبات المرحاض، الخ. القائمة طويلة ومملة، وهذا الاتساع والملل وحده لا بد ان يكون عدائيا بما يكفي ليكون ذكاؤك ضد اختيار أي منها . وفي اللحظة التي تقوم فيها بوضع اللوم في مكان ما، فانك تقوض تصميمك على تغيير أي شيء. حتى انه يمكن القول أن هذا الاصبع المتعطش للوم يتذبذب بهذه الصورة العشوائية لأن التصميم لم يكن قويا بما فيه الكفاية في المقام الأول. لا يخلو وضع الضحية من عذوبة . فهو يستجلب الرحمة، ويمنح التمييز، أمم بأكملها وقارات تنبثق من ظلمة الخصومات العقلية المسوقة بوصفها ضمير الضحية. هناك ثقافة أضحوية بالكامل ، تتراوح بين المستشارين الخاصين الى القروض الدولية. والهدف المعلن لهذه الشبكة ليس الصمود ،بل ان نتيجته النهائية هي خفض عتبة توقعات المرء ، بحيث يمكن أن ينظر إلى أي ميزة تافه بوصفها انفراجة كبيرة. وبطبيعة الحال، فان هذا قد يكون علاجا بل وربما صحياــــ و نظرا لندرة الموارد في العالم، ، و لعدم وجود هوية أفضل، يمكن للمرء أن يتقبله -ولكن حاول مقاومته . ومهما كانت الادلة على انك في الجانب الخاسر وفيرة ولا يمكن دحضها،انفها طالما أن شفاهك يمكن أن تنطق "لا" . حاول احترام الحياة ليس فقط بسبب وسائل الراحة ولكن ايضا بسبب المصاعب، فهي جزء من اللعبة، والجيد في المشقة هو أنها ليست خداعا. وكلما كنت في ورطة، على حافة اليأس أو في حالة من اليأس، تذكر: هذه الحياة تتحدث إليك باللغة الوحيدة التي تتقنها. و بعبارة أخرى،حاول أن تكون ماسوشيا صغيرا : من دون لمسة من الماسوشية، فان معنى الحياة ليس كاملا. إذا كان هذا يساعد ، حاول أن تتذكر أن الكرامة الإنسانية مطلقة ، وليست فكرة جزئية ، وأنها تتعارض مع التوسلات الخاصة، التي تستمد توازنها من انكار ما هو واضح. واذا ما وجدت ان هذه الحجة عنادية ، فكر على الأقل انه ومن خلال النظر الى نفسك بوصفك ضحية ، فأنت تضخم مساحة اللامسؤولية التي يحب الاشرار أو الديماغوجيين احتلالها ، لأن الإرادة مشلولة ليست مما يطيب للملائكة."

____________

*جوزيف ألكسندروفيتش برودسكي (بالروسية: Ио́сиф Алекса́ндрович Бро́дский) (ولد في 24 مايو 1940 في لينينغراد - توفي 28 يناير 1996 في نيو يورك)، شاعر روسي حصل على جائزة نوبل في الأدب لسنة 1987، وقد تم تعيينه ملك شعراء الولايات المتحدة في سنة 1991

  •  

     

  •  

     

 

 

يوربيدس .. ومحنة التراجيديا في استباق الزّمان

 

عندما كتب يوريبيديس نساء طروادة فإن مثل هذه الأساطير كانت قد أصبحت تواً مثيرة للريبة وبالرغم من أن الوقت كان مبكراً جداً لقهر الآلهة القديمة فإن العقلية النقدية للأثينيين قد جعلت منهم موضوعاً للتساؤل وعلى الرغم من أن يوريبيديس استخدم نفس الشكل التقليدي الذي يتشابه ظاهرياً مع أشكال سالفيه فقد كان يعرف أن جمهوره ينتقد مضمونها وبالتالي كانت أعماله تحمل تونات أعلى من المعتاد حتى لو كان تكتبت من خلال أشكال تقليدية ...ان بكيت ويونسكو يفعلان نفس الشيء عندما يستخدمان تقليداً لتدمير تقليد آخر ,ومن المحتمل أن رد فعل عند الآثينين تجاه نساء طروادة يشابه استقبال الجمهور المعاصر لمسرحيتي " في انتظار جودو" أو "المغنية الصلعاء " ولهذا فقد كانوا يدركون انهم يستمعون لشخصيات لها معتقدات ليست لهم .

 

وأعترف أن موضوع الرواية هو ما أثار اهتمامي في مبدأ الأمر وذلك لا يدعو للغرابة فقد كان للرواية مغز صريح عندما عرضت لأول مرة ,كانت اتهاماً صارخاً للحرب على وجه العموم وللعدوان الإمبريالي على وجه الخصوص اننا نعرف اليوم ان الحرب قد تقودنا الى حرب نووية ليس فيها غالب ولا مغلوب ,وهذه الرواية تتعرض لهذه الحقيقة بالضبط ,ان الحرب هي أثيمة للإنسانية لقد حطم الإغريق طروادة لكنهم لم يتحصلوا على أي فائدة من انتصارهم ,وعاقبت الآلهة عدوانهم فجعلتهم يدمرون أنفسهم وهذا هو تأكيد كاسندرا الذي أخذ في الإعتبار كثيراً وصف ذلك ..ان المؤثرات جلية بشكل كاف...وانه من الكفاية طرق التقرير الآخير لبوسيدون :الا ترون ان الحرب ستقتلكم جميعاً ..ان الرواية تنتهي في حالة عدم مطلق أما بالنسبة لتعايش الإغريق مع الهتهم ذوي المزاج الهوائي فإننا نرى مشكلتهم من الخارج وندرك انهم في الحقيقة مرفضون الهتهم ..ولقد حاولت أن أؤكد على ذلك وكان يأس هيكوبا الأخير والإجابة البشرية على حديث بوسيدون المفزع والذي يتبين فيه أن الآلهة قد قطعوا صلتهم بالبشر تاركين اياهم لمواجهة فنائهم وتلك هي العلامة الفاصلة للتراجيديا.

 

  •  

     

  •  

     

 

 

.. قبل الإنتقال .. إلى كتابة المقال ..
.. كان هذا .. أول حوار صحفي .. أجريته منذ أربعة عشر سنة ..
 

 

  •  

  •  

الأحكام القضائية وإشكالات التنفيذ

تعليق على أحكام مجلّة الشركات التجارية

 

 

 

 

مجلة أكسيجين ـ قانون منع التدخين في الفضاءات العمومية

القاعدة المهجورة

 

 

 

حكاية من بابل

 

 

تقع مدينة بابل على نهر الفرات، كانت عاصمة حضارة عظيمة، قال عنها هيرودوت أنها مقامة في سهل فسيح يحيط بها سور طوله ستة وخمسون ميلا، ويبلغ عرضه سمكا تستطيع معه عربة يجرها أربعة جياد أن تجري أعلاه، يحتوي مساحة تبلغ مائتي ميلا مربعا.

كان نهر الفرات يعبر المدينة، فوقه جسر بديع تحته نفق عرضه خمسة أمتار وارتفاعه أربعة، يصل ما بين الضفتين، المباني من الآجر، الآجر مكسوّ بالقرميد الأزرق أو الأصفر أو الأبيض ... مزيّن بصور من الحيوان أو غيره، كل آجرة من الآجر تحمل نقشا يقول "أنا نبوخذ نصر ملك بابل" .

نبوخذ نصر لم يبن، بابل جدّد بنائها وطبع اسمه على آجرها .. كم هي قديمة الرّغبة في الخلود ..

كان في المدينة صرحان مشهودان، حدائق بابل المعلّقة وبرج بابل العظيم ..

أقيمت الحدائق الأعجوبة، على أساطين مستديرة متتالية كل طبقة منها فوق طبقة، غطّي سطحها الأعلى بطبقة من الغرين الخصيب يبلغ سمكها خمسة أمتار، ترفع المياه من النهر إلى سطحها، بآلات مائية غير ظاهرة زرعت فيها الأزهار، والأشجار الكثيفة .. وهناك بعيدا عن أعين الكادحين في الأرض كانت نساء القصور تعشن غير محجبات .. كم هي قديمة الرّغبة في السّفور ..

على بعد كيلومتر من القصر، إلى الجنوب، كان برج بابل، صرح شامخ كالجبل، يعلوه برج عظيم مدرّج من سبع طبقات، جدرانه من القرميد المنقوش البراّق، إرتفاعه مائتي متر، فوقه ضريح يحوي مائدة كبيرة من الذهب، وسرير مزخرف تنام عليه كل ليلة واحدة من النساء الجميلات .. كم هي قديمة الرّغبة في الجمال ..

تقول الأسطورة، أن أهل الأرض من بابل، أرادوا أن يتحدّوا إله السماء، فاجتمعوا على بناء ذلك الصرح العظيم، فلما أن بلغ ما بلغ ارتفاعا، بلبل الإله ألسنتهم فلم يعد أحد منهم يفهم ما يقول الآخرون ففشلوا في أن يبلغوا ما يريدون .. كم هي قديمة الرّغبة في التّحدي ..

منذ بابل .. قبل بابل .. منذ الحضارة، في كل زمان ومكان، إذا لم يفهم الناس ما يقوله الآخرون يفشلون جميعا .. الناس إذن قسمان .. قائلون ـ أو كاتبون ـ و سامعون ـ أو قارئون ـ عملية الفهم تستلزم جدل الفعل و الاستقبال ..

أيها الناس من موعظة بابل يتأتى لبّ الحكاية لكي لا تفشلوا تعلموا الانصات وقبله الفهم وبعدهما الإجابة قولا .. إن ما نخوض فيه منذ زمن غير بعيد لا يعدّ سوى ارتداد لأسطورة بابل .. اللهمّ فاشهد .. إنّي قد بلّغت ...

 

دكتاتورية ماذا .. أيها الأبله ...

يستحضرني بشدة وانا أطالع خبر إعدام كيم جُنغ يون زعيم كوريا الشمالية لوزير دفاعه مستعملا مضادّات الطائرات .. ذلك الحَرَج التاريخي الذي رافق مثقفي الإتحاد السوفييتي من سلوك ستالين وحجم القسوة الذي اعتراه .. وانخراطهم اللامشروط في حملة خروتشيف بعده لإقامة المصالحة بين الدولة و الفرد .. في مجتمع الدولة الحاضنة ..

ورغم حجم الإمتداد الذي لاقاه الخبر غير المؤكّد، لأسباب سياسية يعلمها القاسي والدّاني فإني أريد أن أصدّق من كلّ عقلي وفكري وقلبي .. أنكَ فعلتَ ما فعلتَ بوزير دفاعكَ الذي قضى في العسكر سنينا تفوق عمرك بأضعاف ..
.. إذا كان الخبر مؤكداً .. وليس محض شائعة .. في إطار الحرب النووية .. فإنك أيها الزعيم المحبوب .. يا حبيب القلب .. أيها البطل الجَسور .. يا حبيب الجماهير ...
مَن مثلكَ ينبغي أن يكون القدوة والمثل والمثال...
ويبدو أنني أغار من بلدكَ .. ومن شعبكَ .. وأصلّي ليكون عندنا من أمثالكَ.. كنا لنعيش أو نموت – لا فرق - مرتاحي البال، مطمئنين إلى يومنا وعدنا ومصيرنا...
على ما سننشغل لو أنكَ تحكم بلادنا .. والدول المجاورة .. بودّي لو أحلم فقط .. بأنكَ مقيم بيننا .. ماذا كان سيكون حال سياسيينا ؟ .. ومن كان يجرؤ على التفكير أو القول أو الرفض فما بالك بالثورة ...
لا طيّب اللهُ ثرى وزير دفاعكَ .. هذا الذي قيل إن رجالكَ جندلوه بمدفع مضادّ للطيران.. كان ينبغي لهم أن يفخّخوه بقنبلة نووية .. ليكون عبرة لمن يعتبر .. ولمَن لا يعتبر..
سحقاً لكلّ وزير للدفاع .. ولكلّ وزير .. ومسؤول .. بل لكلّ مواطن متفلسف أو مسكين .. تغفل عينه ويشرد ذهنه .. عن التملّي من وجهكَ الكريم...
لا أنسى ماذا فعلتَ قبله .. بزوج عمّتكَ .. هذا الذي قيل إنه كان مستشاركَ الوفي .. وقيل أيضاً إنه كان وفياً للزعيم المغفور له والدكَ.. لكنه .. في لحظة من لحظات التجلي .. قد يكون أحبّ أن يأكل أو أن يشرب .. أو أن يحلم .. أو أن ينام مع زوجته .. في حين كان عليه أن يظل صائماً صامداً مصموداً من أجلكَ .. سحقاً له .. هو الآخر...
صدِّقني. أتمنّى لكَ تعميم فعل الإعدام هذا على الجميع .. وأن تعامل الجميع بالمساواة .. لما في ذلك من رفاه للشعب في كوريا الشمالية العظيمة.. إذ لا يجوز أن تبخل برحمتكَ على أحد.. أو أن تستثني أحداً...
بلمناسبة .. العالم العربي عندنا يشتهي أن يحكمه زعماء من طينتكَ.. فليتكَ تزورنا .. أو ترسل من لدنكَ مَن يتولى باسمكَ الاهتمام بشؤون هذه المنطقة العزيزة التي لم يعرف زعماؤها أن يصلوا إلى مواصيلكَ.. سحقاً لهم .. على الرغم من كل أفعالهم المجيدة التي سيسطّرها لهم التاريخ بحروف من ذهب..
لا بدّ أنكَ سمعتَ بحافظ وبابنه بشّار وبصدّام .. وبالآخرين .. من دون استثناء.. وأنكَ فرحتَ لأنهم يحاولون التشبّه بكَ وبأبيك .. لقد جاهدوا وفعلوا المستحيل .. لكنهم لا يصلون إلى مواصيلك .. أسفاً على مواهبهم الضئيلة ..
طوّل اللهُ بعمركَ، يا حبيب الجماهير، ودمتَ للشعوب المقهورة مثلاً وقدوةً ومثالاً...

.. هل هو التاريخ ينصف جماعتنا .. وستالين من قبلهم ؟؟؟ ...

 

 

 

 

bottom of page